يعيش حوالي 281 مليون شخص حالياً، أي 3.6 بالمئة من سكان العالم تقريباً، خارج بلدهم الأصلي، والذين تتميز هجرة العديد منهم بدرجات مختلفة من الاضطرار. وبالرغم من أن العديد من المهاجرين يختارون مغادرة بلدانهم الأصلية سنوياً، إلا أن عدداً متزايداً من المهاجرين يغادر دياره قسراً نتيجة مجموعة معقدة من الأسباب، بما في ذلك الفقر، وعدم إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم والمياه والغذاء والسكن، والنتائج المترتبة على تردي البيئة والتغير المناخي، بالإضافة إلى المزيد من الأسباب “التقليدية” للتشريد القسري مثل #الاضطهاد والنزاعات والحروب .
في مثل هذا اليوم، 18 ديسمبر، اعتمدت الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث كانت ليبيا من ضمن الدول التي صادقت على هذه الاتفاقية رغم عدم توقيعها ومصادقتها على اتفاقية 1951 المعنية بحماية اللاجئين ، إلا أنها على الصعيد الإقليمي صادقت على الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب عام 1986، والاتفاقية الإفريقية لحل مشاكل اللاجئين في إفريقيا عام 1981. واليوم الدولي للمهاجرين هو يوم دولي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 4 ديسمبر في عام 2000، على أن يكون يوم 18 ديسمبر من كل عام هو يوماً دوليا للمهاجرين بعد الأخذ بعين الاعتبار الأعداد الكبيرة والمتزايدة للمهاجرين في العالم.
وتحتفل الكثير من الدول الأعضاء، وكذلك #المنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية باليوم الدولي للمهاجرين، بعدة طرق من بينها نشر معلومات عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع المهاجرين وأيضا من خلال تبادل الخبرات ووضع الإجراءات التي تكفل حماية تلك الحقوق. واتخذت الأمم المتحدة موضوع “الحاجة الملحة إلى إدارة آمنة للهجرة” لإحياء اليوم الدولي للمهاجرين هذا العام، 2023.
ومن أجل تعزيز التعاون بشأن الهجرة الدولية بجميع أبعادها اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة “الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية” الذي صدر عن “المؤتمر الحكومي الدولي لاعتماد الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة الذي انعقد في مدينة مراكش في 10-11 ديسمبر 2018م. هذا الاتفاق العالمي يشمل 23 هدفاً وعملية تنفيذ وكذلك متابعة واستعراض. ويتضمن كل هدف التزاما، تليه مجموعة إجراءات تعتبر أدوات سياسية وممارسات فضلى ذات صلة، من أجل تحقيق الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية على مدى امتداد دورة الهجرة.
ولا تزال #ليبيا من بين الدول التي يُذكر اسمها بشكل مستمر، في عناوين الصحف والأخبار والتقارير الدولية وأيضاً الحقوقية، بشأن ممارسات إدارة شؤون الهجرة واللاجئين. حيث تشهد الساحة الليبية منذ التغيير الذي حصل فيها مطلع 2011، وتفاقم الوضع بسبب الصراعات التي فاقمت الدمار في البنية التحتية لكل ركائز ومقومات الحياة الكريمة لليبيين عامة، والمهاجرين وطالبي اللجوء خاصة كونهم الفئات الأشد ضعفاً وهشاشة. يعاني المهاجرون المحتجزون في مراكز الاحتجاز غرب ليبيا وشرقها أوضاعاً صعبة للغاية، خصوصاً بعد الحرب التي دار رحاها في الغرب الليبي (أبريل 2019 – يونيو 2020)، وتعرض العشرات منهم للقتل والنزوح والاعتقال المتكرر من قبل عديد الجهات.
لم يكن الحال بالأفضل بالنسبة للمهاجرين والعمال في الشرق الليبي، حيث استمر تجار البشر والمهربون، في منطقتي امساعد وضواحي مدينة طبرق وبنغازي والبريقة وسرت، في احتجاز المهاجرين والعمال وطلب الفدية بعد وضعهم في مخازن كبيرة للاحتجاز. وقد أكدت عشرات الشهادات، أنهم تعرضوا للتعذيب والضرب لجبر عائلاتهم على دفع الفدية مقابل الإفراج عنهم. ورغم كل الجهود التي تبذلها السلطات المحلية هناك لا يزال القضاء على شبكات الاتجار صعب المنال. كما شهد هذا العام نقل قسري وغير ومستوفي الشروط للعديد من المهاجرين وطالبي اللجوء من شرق ليبيا إلى منطقة الكفرة جنوب ليبيا.
كما استمر الاتحاد الأوروبي في دعم المنظمات الدولية لتنفيذ مشاريعها المعنية بحماية المهاجرين وطالبي اللجوء، بالتنسيق الكامل مع السلطات في الشرق والغرب. إلا أن هذه المشاريع والأنشطة يراها مراقبون ومنظمات غير حكومية ليبية أنها لا تستجيب للاحتياج الحقيقي. فلا تزال مراكز الاحتجاز التي تقوم المنظمات الدولية بزيارتها وتنفيذ برامجها وأنشطتها فيها، يُحتجز فيها الأطفال والقاصرون مع البالغين ولا يتم الفصل بينهم، كما لا يزال احتجاز النساء في جميع المراكز يشرف عليه رجال دون أي إشراف تقوم به عناصر شرطة نسائية. كما فشلت المنظمات الدولية في تتبع أماكن تواجد المهاجرين وطالبي اللجوء رغم ادعائها بحصر أعدداهم والتواصل معهم في برامج التسجيل أو الرعاية الصحية والعودة الطوعية بخلاف ما هو عليه الواقع.
ولم يتوقف الأداء السلبي للجهات الدولية والاتحاد الأوروبي، فقد استمر إرجاع المهاجرين واعتراضهم في البحر وإعادتهم قسراً إلى الشواطئ الليبية رغم علم جميع الأطراف بخطورة الوضع على الأرض ، حيث تعرض المئات منهم للاحتجاز والتشريد والقتل في عديد المرات بعد إرجاعهم للموانئ الليبية دون تقديم أية ضمانات حقيقية يوفرها الجانبين الأوروبي والليبي لحماية من يتم إرجاعهم واحترام إنسانيتهم وصون كرامتهم.
يمر اليوم العالمي للمهاجرين وهم يعانون في ليبيا ظروف عصيبة، فعدم وجود تشريعات محلية واضحة تتوافق مع الاتفاقيات التي صادقت عليها الدولة الليبية زاد من معاناة المهاجرين وطالبي اللجوء. كما أن تجريم الدولة الليبية الجميع ووضعهم في سلة “الهجرة غير الشرعية” يخالف التزامات الدولة فيما يتعلق بطالبي الحماية وتوفير المكان الآمن لهم والاعتراف بهم أنهم طالبو حماية. هذه الممارسات تخالف ما صادقت عليه الدولة الليبية في اتفاقية الوحدة الأفريقية التي تنظم أوضاع اللاجئين .
إن السياسات الجائرة القائمة على انعدام الأساس الإنساني، والتي تتبناها دول العبور والمقصد، من تجريم الهجرة وإغلاق الموانئ وتكثيف الدوريات البحرية في أعالي البحار وقبالة الشواطئ لن توقف أفواج الهجرة. بل ستزيد من عدد الضحايا الذين يهلكون عطشا في الصحراء، أو غرقا في البحر، أو على يد عصابات مجرمة عابرة للحدود من مهربين وتجار البشر، الذين ازدادت سلعتهم وتجارتهم رواجاً بسبب هذه السياسات القاصرة.
المنظمات الموقعة على هذا البيان تؤكد وتوصي بما يلي:
1. السلطات الليبية:
أ. يجب عليها أن تتحمل مسؤوليتها في حماية حدودها وأن تسخر طاقاتها في حماية الجنوب وشواطئ البحر، للحد من عمليات التهريب، مع إعطاء الأولوية لمكافحة شبكات التهريب والاتجار بالبشر بما لا يُعرض حياة وسلامة المهاجرين وطالبي اللجوء للخطر خلال تفكيك ومواجهة هذه العصابات والجماعات المسلحة.
ب. ينبغي على السلطة التشريعية أن تُضَمِّن الاتفاقيات التي صادقات عليها، والتي من بينها اتفاقية حقوق الطفل والاتفاقية الإفريقية لحل مشاكل اللاجئين في إفريقيا، ضمن نصوص قوانينها الوطنية ذات الصلة.
ج. أن تراجع اتفاقياتها مع الاتحاد الأوروبي لتكون مرتبطة بمشاريع وعمليات تعالج أسباب الهجرة غير النظامية في دول المصدر ودول المقصد،
د. أن تجعل في مراجعتها لاتفاقياتها مع دول الاتحاد الأوروبي بخصوص الهجرة غير النظامية ترجمة صريحة وحقيقيةً للوفاء بالتزاماتها باحترام وتعزيز وحماية حقوق الإنسان وحقوق اللاجئين والمهاجرين كما هو منصوص عليها في القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ه. أن تلتزم المعايير الدولية لظروف احتجاز المهاجرين، من حيث النظافة والطعام والمعاملة الإنسانية والخدمات الصحية، في المراكز التي يشرف عليها ويديرها “جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية”، والحفاظ على كرامتهم طيلة فترة احتجازهم خصوصاً في ظل ظروف جائحة كورونا، وفتح التحقيقات والمساءلة والمحاسبة للمسؤولين عن هذه المراكز حول مزاعم الانتهاكات، والبحث عن بدائل ناجحة للاحتجاز.
و. أن تنضم الى “الاتفاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة” الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي اعتمدته دول العالم رسمياً في مؤتمر دولي في مدينة مراكش، بالمغرب، يوم 10 ديسمبر من العام 2018.
2. الاتحاد الأوربي:
أ. يجب تبني أكبر قدر من الشفافية في المفاوضات مع ليبيا حول كافة القضايا المتعلقة بالهجرة والمراقبة الحدودية والحرص فيعدم دعم أي جهات حكومية لا تلتزم بالمعايير القانونية والحقوقية، خاصةً تلك المرتبطة منها بحقوق المهاجرين واللاجئين.
ب. يجب العمل على مكافحة شبكات تهريب وتجارة البشر العابرة للحدود، العاملة في بلد المصدر وبلدان العبور وبلدان المقصد، وهذا يتطلب تعاون دولي بين البلدان المعنية.
ج. تفعيل وتطوير الاتفاقيات التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع الاتحاد الأفريقي، سواء الاتفاقيات المتعددة الأطراف أو الثنائية، والتي تشمل مشاريع تنموية من شأنها معالجة بعض أسباب الهجرة.
د. مراجعة السياسات والقيود التي تضعها دول الاتحاد على الهجرة المنظمة بما يوفر أكبر قدر ممكن من الهجرة النظامية الآمنة، وبما يقلل من لجوء المهاجرين إلى المخاطرة بحياتهم لأجل توفير حياة أفضل لأنفسهم ولأبنائهم.
3. المنظمات الدولية؛
أ. أن تُسَرِّعْ المفوضية السامية لشئون اللاجئين (UNHCR) في إجراءات تسجيل طالبي اللجوء وأن يكون لها مكاتب وفروع في المدن الليبية الرئيسية وألا تستكفي بمكتبها الوحيد في العاصمة طرابلس في بلدٍ تقول إنها سجلت فيه أكثر من 42 ألف طالب حماية.
ب. أصبح من الملح أن تلتزم المفوضية السامية لشئون اللاجئين بإبرام مذكرة تفاهم مع السلطات الليبية وأن يكون عملها ضمن إطار قانوني واضح يضمن حقوق وواجبات جميع الأطراف.
ج. على المنظمة الدولية للهجرة (IOM) أن يكون لها تواجد في المناطق البعيدة عن العاصمة والمدن التي يشتكي فيها المهاجرون من عدم وجود مكاتب أو تواصل الدولية للهجرة فيها.
د. أن تحث السلطات الليبية على ضرورة الالتزام بالمعايير الدولية لظروف احتجاز المهاجرين، من حيث النظافة والطعام والخدمات الصحية والمعاملة ، في المراكز التي يشرف عليها ويديرها “جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية”، وأن تتوافق مع المعايير المحلية لظروف الاحتجاز كتلك المنصوص عليها في القانون رقم 5 لسنة 2005 بشأن مؤسسات الاصلاح والتأهيل ولائحته التنفيذية، خاصة البنود المتعلقة بفصل النزلاء والمعاملة الانسانية وتوفير الملبس والطعام والشراب والرعاية الصحية المناسبة و إمكانية التواصل مع عائلته، إضافة إلى الضمانات القضائية للمحتجزين سواء في عرضهم على النيابة المختصة أو توفير المترجم و المحامي .
ه. مراجعة تعاملها مع بعض المراكز التي تحوم حولها شبهات التورط في انتهاكات حقوق المهاجرين، ومطالبة الإدارة الرئيسية “لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية” بتصحيح أوضاع هذه المراكز وتغيير إداراتها أو إغلاقها، وإخطار السلطات الليبية بهذه الانتهاكات والتجاوزات.
و. على الجمعيات المحلية وكذلك جميعة الهلال الأحمر أن توحد جهودها في إيصال المساعدات الإنسانية للفئات الضعيفة.
المنظمات الموقعة على هذا البيان:
1. منظمة صوت المهاجر, الزاوية
2. مؤسسة العابرين لمساعدة المهاجرين والخدمات الإنسانية, طبرق
3. مؤسسة بلادي لحقوق الإنسان, مصراتة
4. منظمة إحقاق للتنمية المستدامة لحقوق المرأة والطفل, طرابلس
5. منظمة رواد الفكر ماترس
6. منظمة شباب ماترس
7. منظمة تيود للحوار والمناظرة
8. جمعية القلوب البيضاء سبها
9. منظمة التضامن لحقوق الإنسان, طرابلس
10. جمعية تيميط للفنون والتراث الليبي الأصيل
11. مؤسسة الصحافة الحرة، صبراتة.
12. جمعية تبينوا لحقوق الإنسان,نالوت
13. جمعية الخير للأشخاص ذوي الإعاقة، صبراتة.
14. جمعية بصمة أمل لأطفال التوحد، صبراتة.
15. منظمة شموع لا تنطفي لذوي الإعاقة، صبراتة.
16. حقوقيين بلا قيود, بنغازي
17. منظمة البريق لحقوق الطفل, طرابلس
18. منظمة النصير لحقوق الإنسان, طرابلس
19. المنظمة المستقلة لحقوق الإنسان, مصراتة
20. المنظمة العربية الدولية لحقوق المرأة’طرابلس
طرابلس – ليبيا
18 ديسمبر 2023