مقال بقلم: ميمون الشيخ
ليبيا تضع المزيد من القيود على عديمي الجنسية وتستمر السلطات الليبية بتجاهل التزامها الدولية فيما يخص حقوق عديمي الجنسية رغم انضمامها ( لاتفاقية الأشخاص عديمي الجنسية ) التي وضعتها الجمعية العامة الأمم المتحدة في عام 1954
فئة من سكان ليبيا لا تحمل جنسية أي دولة، وبينما يعتبرون أنفسهم مواطنين ليبين يجب أن ينالوا حقوق المواطنة كاملة تماطل السلطات الليبية عن ذلك، مما أدى لأزمة مجتمعية شائكة حقوقيا وسياسيا.
معلومات أساسية
تعرّف اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1954 الخاصة بـ”عديمي الجنسية” الشخص العديم الجنسية (البدون) بأنه “الشخص الذي لا تعدّه أية دولة مواطنا فيها بمقتضى تشريعاتها”،
وتشير بعض المصادر إلى أن أكثرية “عديمي الجنسية أو حاملي الرقم الإداري” في ليبيا – يقطن معظمهم المنطقة الجنوبية والشرقية وأغلبهم من أبناء القبائل العربية والطوارق الذين هاجروا من ليبيا في فترة الاستعمار إلى دول الجوار مثل النيجر وتشاد وعادوا إلى ليبيا تباعا بعد الاستقلال عام 1951م.
مسألة انعدام الجنسية في ليبيا تعتبر ضمن المسائل والمعضلات الحقوقية التي لم يتم تسليط الضوء عليها بالشكل المطلوب من قبل المؤسسات الإعلامية والمنظمات الحقوقية سوءا الدولية منها والمحلية، وذلك ساهم بشكل كبير بعدم بروز قضية عديمي الجنسية الليبيين لدرجة أن بعض المؤسسات المدنية في ليبيا لا تعلم بجود هذه الفئة
على سبيل المثال في 3 يناير 2021 رصدت مؤسسة بلادي لحقوق الإنسان في مدينة صبراتة رفض تسجيل طالب من فئة عديمي الجنسية في إحدى المدارس بالمدينة وعندما تم التواصل مع مدير المدرسة من قبل أحد المدافعين عن حقوق الإنسان في صبراتة علل مدير المدرسة رفضه بأنه لا يعلم بوجود هذه الفئة في ليبيا وتكررت هذه الحالات بشكل كبير جدا في مختلف المناطق الليبية خصوصا في شمال وشرق البلاد
رغم أن وزارة التعليم نفسها تقر بتسجيل هذه الفئة في المدارس الليبية أسوةً بباقي الليبيين حيث نشرت وزارة التربية والتعليم الليبية في 14 أغسطس 2015 منشور على صفحتها في الفيس بوك تؤكد فيه أن الرقم الوطني أو الإداري شرط مطلوب وضروري وملزم لتسجيل التلاميذ في المدارس الليبية، وتجدر الاشارة هنا إلى أن السلطات الليبية منحت الرقم الإداري لعديمي الجنسية بقرار من وزارة الداخلية رقم (1812) لسنة 2015 ميلادي وكان الهدف من ذلك وفق القرار تمكين فئة عديمي الجنسية من إتمام الاجراءات الإدارية والمالية لهم وذلك لوجود العديد من الموظفين من فئة عديمي الجنسية في مختلف الوظائف مثل التعليم والجيش والشرطة وغيرها من المجالات التي يعمل فيها عديمي الجنسية في ليبيا
ولكن القرار لم يكن واضحا بما فيه الكفاية ولم يحدد بشكل مفصل الاجراءات الادارية التي يحق لعديمي الجنسية الوصول إليها وفق القرار، خصوصا بعد اعتماد قانون رقم (8) لسنة 2014 بشأن الرقم الوطني والذي حدد في المادة الأولى له أن الرقم الوطني يعتبر بيان رقمي ذو دلالة ومدخل إلى البيانات المعرفة بالفرد بقاعدة البيانات الوطنية، ويعتبر مصدراً للتعرف والتأكد من الهوية الشخصية أمام جميع مؤسسات الدولة، ولا يجوز لأي من الجهات التابعة لها منح أية وثيقة أو خدمة إلا بعد الحصول على الرقم الوطني”
تبين المادة الأولى من القانون بشكل واضح أن الشخص الذي لا يحمل الرقم الوطني لا يحق له الحصول على أي وثيقة أو خدمة إلى بعد الحصول على الرقم الوطني، وذلك يضع امامنا العديد من التساؤلات حول فاعلية الرقم الإداري الذي تم منحه لعديمي الجنسية كبديل للرقم الوطني ولكن بعدد أقل من المميزات والخدمات التي يتحصل عليها حاملي الرقم الوطني من المواطنين الليبيين، وتلزم المادة السابعة من القانون ” كافة الوزارات والوحدات الإدارية بالحكومة والهيئات والمؤسسات والأجهزة المدنية والعسكرية والشركات العامة وما في حكمها باستخدام الرقم الوطني المخصص لكل مواطن ليبي في صرف جميع المرتبات والمكافآت وكافة الإجراءات الإدارية والمالية والاقتصادية المتعلقة بالدولة الليبية وهذا يعتبر إقرار كامل بعدم الاعتراف بأي شخص لا يحمل الرقم الوطني كمواطن ليبي.
النشأة والجذور
تعود جذور قضية “أصحاب الأرقام الإدارية” في ليبيا إلى سبعينيات القرن العشرين، وخلال العقود اللاحقة مرت قصتهم بفصول ومراحل عديدة.
ينحدر أصحاب الأرقم الإدارية أو ( عديمي الجنسية في ليبيا ) من مختلف القبائل خصوصًا في الجنوب الليبي حيث يقدر عددهم بحوالي ( 17 ) ألف عائلة ومعظمهم من أقلية الطوارق وبعض القبائل العربية مثل الحساونة وولاد سليمان وبعض القبائل في شرق البلاد وغيرهم من القبائل التي خرجت من ليبيا فترة الاستعمار الفرنسي وعادت تباعا بعد الاستقلال عام 1951م وتملك هذه القبائل ايضا لاسيما الطوارق امتداد كبير في دول الجوار الليبي مثل النيجر والجزائر.
وتتباين التفسيرات في أسباب ظاهرة “عديمي الجنسية “، وأغلبها يشير إلى فوضى التشريع وعدم تطبيق بعض القرارات التي تحصلت عليها بعض الفئات من عديمي ” الجنسية المتعلقة بمنح الجنسية مثل قرار اللجنة الشعبية العامة رقم ( 328 ) لسنة 2009م بالموافقة على منح الجنسية العربية لبعض الاشخاص أغلبهم موظفين في الدولة الليبية في مختلف المجالات وقرار رقم ( 53 ) لسنة 2011م بشأن منح الجنسية لبعض عائلات الطوارق التي استوفت شروط الحصول على الجنسية أو إهمال التقدم بطلبات الحصول على الجنسية
وقد تمتع ” عديمي الجنسية ” بالمساواة مع الليبيين منذ إنشاء مكتب السجل المؤقت في عام 1970م من قبل وزير الداخلية الليبي آنذاك السيد: الخويلدي الحميدي وكان الهدف من إنشاء السجل المؤقت هو تسجيل الليبيين العائدون من المهجر بشكل مؤقت ومنحهم وثيقة شهادة ميلاد وإقامة لحين البث في طلباتهم للحصول على الجنسية الليبية ولكن السلطات الليبية لم تضع حلول جدية للفئات المقيدة في السجل المؤقت وظلت بسبب ذلك حبيسة السجل المؤقت أكثر من 53 سنة رغم وجود فئة كبيرة من الليبيين المقيدين في السجلات المؤقتة مستوفين لشروط الحصول على الجنسية الليبية.
التضييق على عديمي الجنسية
كانت بداية التضييق على عديمي الجنسية الليبيين عام 2014م حيث ظهرت الكثير من المشاكل بعد صدور قانون الرقم الوطني وتحصل الليبيين الذين يحملون الجنسية الليبية على الرقم الوطني بينما تحصل عديمي الجنسية على الرقم الاداري كبديل للرقم الوطني ولكن لم يضيف الرقم الاداري أي خدمات لهذه الفئة بل بالعكس توقفت الأحوال المدنية على إضافة المواليد الجدد وفصل الأزواج وشطب الوفيات لعديمي الجنسية من عام 2014 أكثر من 9 سنوات لا يستطيع فيها عديمي الجنسية تسجيل اطفالهم في الأحوال المدنية وهذا تسبب بمشاكل أخرى مثل عجز أولياء الأمور عن تسجيل اطفالهم في المدارس بسبب عدم امتلاك اطفالهم لشهادة الميلاد، وظل العديد من عديمي الجنسية لا يستطيعون فصل أنفسهم من ملفات أسرهم بعد الزواج ولا يملكون قيود خاصة بهم.
وفي عام 2020م صدر رئيس وحدة شؤون المأذونين الشرعية أحمد المنزلي كتاب رقم 5/2020 لجميع المأذونين في نطاق كل من محكمة سبها – وبراك – وونزريك- والبوانيس في الجنوب الليبي بعدم إبرام إي عقود زواج جديدة ( لحملة الأرقام الإدارية ) إنتقد الكثير من حملة الارقام الادارية هذا القرار واعتبروه انتهاك صريح لحق تكوين الأسرة الذي نصت عليه الاتفاقيات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة حيث أكد العهدان الدوليان للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعام 1966على الحق في تكوين الأسرة إذ وردت بالمادة (23) من العهد الأول نصوص بذات المعنى الذي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أما العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية فقد تضمن المعنى ذاته بعبارات مختلفة، حيث ورد فيه ما نصه (وجوب منح الأسرة التي تشكل الوحدة الجماعية الطبيعية في المجتمع، أكبر قدر ممكن من الحماية والمساعدة، وخصوصاً لتكوين هذه الأسرة وطوال نهوضها بمسؤولية تعهد وتربية الأولاد الذين تعيلهم)، كما اهتمت المادة (17) من العهد الخاص بالحقوق المدنية بـضرورة حظر التدخل التعسفي أو غير المشروع في شؤون الأسرة، والمادة (24) من العهد ركزت على حماية حقوق الطفل بصفته صغيراً وعضوا في الأسرة.
رغم استمرار عديمي الجنسية بالمطالبة بحقوقهم المدنية والسياسية وطرح قضيتهم بشكل واضح في الحوار السياسي الذي جمع الفرقاء الليبيين في كل من تونس وجنيف في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 بعد حرب طرابلس إلا أنه ولهذه اللحظة لا توجد حلول جدية وملموسة لوضع حلول جذرية لإنهاء أزمة انعدام الجنسية في ليبيا.