ليبيا سجن بسماء مفتوحة
مقال رأي / أحمد صالح سعيد
بسبب العولمة و تأسيس الدول الحديثة أضطر الكثير من التوارق في الثمانينيات و التسعينيات التمدن واللإستقرار في المدن بالأخص القريبة من موطنهم الصحراء الكُبرى في كل من جنوب ليبيا و الجزائر و شمال النيجر و مالي وبركينا فاسو, بدلا من نمط الحياة الذي كانوا يُمارسونه و الذي يعتمد على الترحال من مكان لمكان في الصحراء بحثا عن الماء والعُشب للمواشي التي يرعونها. لم تكن الحياة سهلة لأشخاص معظمهم أُميون لا يعرفون القراءة والكتابة وتوجب عليهم أن يتأقلموا مع متطلبات الحياة الجديدة و يتعلمون كيف يصبحون مواطنين في الوقت الذي يشهد فيه العالم اضطرابات أمنية وانقلابات عسكرية وانعدام الاستقرار. وللأسف الشديد لم يقم النظام السابق باحتضانهم بشكل صحيح وإعدادهم ليصبحوا مواطنين فاعلين مقبلين على التعليم, بدلا من ذلك تم تجنيدهم من أجل الحفاظ على نظام عسكري وإشراكهم في حروب مثل حرب تشاد ولبنان وغيرها. و مع قيام ثورة 17 فبراير و التي كانوا من أوائل الداعمين لها إلا أنهم انتقلوا من حالة تهميش وبؤس إلى حالة أكثر سوءا بسبب انعدام الجنسية والذي كان سببا في حرمانهم من الحصول على أرقام وطنية أسوة بالمواطنين الآخرين, ومع الفوضى التي تشهدها ليبيا بسبب الصراع القائم على السلطة والذي أصبحوا فيه وقودا للحرب تستمر الحكومات الانتقالية المتعاقبة في تجاهل عدم تسوية أوضاعهم في ليبيا رغم قرارات منح الجنسية التي صُدرت في حقبة النظام السابق و لم تنفذ. وتم الاكتفاء بحلول مؤقتة ووهمية مثل منحهم الأرقام الإدارية بدلا من الأرقام الوطنية لكي يتمكنوا من الحصول على رواتبهم. تُعتبر ليبيا البلد الوحيد الذي يمنح الطوارق أرقاما #عسكرية ويحرمهم من الجنسية. الحرمان من الجنسية يعد انتهاكا لحق من حقوق الإنسان, أذكر هنا المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: ” لكل فرد حق التمتع بجنسية ما. لا يجوز، تعسُّفًا، حرمانُ أيِّ شخص من جنسيته ولا من حقِّه في تغيير جنسيته”.
و لأن الجنسية حق أساسي للإنسان تمنحه الحق في الحماية و الحقوق مثل الحق في التصويت وحرية التنقل و السفر والحماية الدبلوماسية في الخارج. و ما يتعرض له عديمو الجنسية من الطوارق هو تمييز و انتهاك لحقوقهم بالأخص أنهم يقومون بواجباتهم الوطنية فهم من يحمون الحقول النفطية في الجنوب و يمنعون المخربين من الوصول إليها . هذه الحقول النفطية إذا توقفت عن الإنتاج أو خُربت فإن ذلك سوف يتسبب في خسائر فادحة. لم يقتصر دور الطوارق حملة الرقم الإداري العسكريين على حماية الحدود و الحقول فحسب رغم ما يتعرضون له من تهميش, بل استشهد منهم الكثير مع البنيان المرصوص أثناء حربهم في سرت ضد الدواعش. و لا تزل عائلات أولئك الشهداء يعانون من انعدام الجنسية ومن التهميش الكثير. كلما تحصلوا عليه هو بعض المساعدات التي قام زملاء الشهداء بجمعها وتقديمها لهم بدلا من أن تقوم الدولة برعايتهم ومنحهم الحماية والمساعدة اللازمتين و هو الأمر الذي يستحيل مع انعدام الجنسية والأرقام الوطنية. وفي ظل هذا الاضطراب و الفوضى قامت بعض الأسر بالهجرة مع أبناءهم و تجاوز الحدود بطريقة غير شرعية من أجل طلب الحماية الدولية في الدول المجاورة لدى مكاتب الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في #تونس والجزائر والنيجر ومالي على الحدود الموريتانية.
مع أن الأغلبية تُفضل البقاء في ليبيا, في ما هو أشبه بسجن بسماء مفتوحة على أمل تنفيذ القرارات السابقة في منحهم الجنسية و أرقام وطنية و أداء واجباتهم في خدمة ليبيا دون ذُل و التمتع بكامل حقوق المواطنة.
كنتُ في مكالمة هاتفية مع أحد الأصدقاء من أوباري من الخريجين الجدد مُعبرا عن فقدانه الأمل و اليأس و أنه لم يعد يرغب في البقاء على قيد الحياة و كل ما يريده و يفكر فيه هو أن يحرق نفسه بالوقود في ساحة ميدان الشهداء و يصرخ بأعلى صوته حتى ينطفأ غضبه و يصبح جسده رمادا. و مع كلمات ملئها الأمل حاولتُ أن أخفف عما يشعر به من اليأس قائلا له” دوام الحال من المُحال” و يوما سوف تُصبح ليبيا دولة ديموقراطية بدستور مدني يحترم و يحمي الحقوق و الحريات, وذالك بلا شك عندما يلعبُ كلا منا دوره بصدق و بإخلاص في العمل على التعايش السلمي و التسامح و الاستقرار و البناء و العدالة الاجتماعية, فليس هناك عمل بلا أمل ولا أمل بلا عمل.