تقرير عن منظمة هيومن رايتس ووتش نشر في يناير/كانون الثاني 21, 2019
مُلخص تنفيذي
عبدول، رجل يتحدث بصوت منخفض، غادر دارفور في 2016 لما كان في سنّ 18. ذهب إلى مصر، حيث سجل نفسه لدى “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” (مفوضية اللاجئين). ولكنّه يئس من الحصول على إعادة توطين، فقرّر الذهاب إلى ليبيا ليحاول الوصول إلى برّ الأمان في أوروبا. أمضى 3 أشهر في مستودع يملكه مهرب في صبراتة، واجه فيه “الكثير من المعاناة”، ثمّ فرّ إلى طرابلس. انتظر هناك حتى مطلع مايو/أيار 2018، ليتمكن ذات فجر من حشر نفسه في زورق مطاطي كان على متنه أكثر من 100 شخص آخرين ليُبحروا من الخُمس، وهي مدينة ساحلية شرق طرابلس. لكن رحلتهم لم تدم طويلا، حيث اعترض “حرس السواحل الليبي” الزورق المطاطي بعد زهاء 4 ساعات من الإبحار.
لما تحدثنا معه في منتصف يوليو/تموز، كان عبدول يتعافى مما قال إنه تعذيب على يد حرّاس مركز احتجاز الكراريم قرب مصراتة، حيث كان محتجزا في ظروف مزرية ومكتظة وغير صحية لشهرين. قال إن الحراس ضربوه بخرطوم أسفل قدميه ليُجبروه على الاعتراف بمساعدة 3 رجال آخرين على الهروب. تحطمت آمال عبدول، وصار فقط يأمل في أن يُنقل إلى مركز احتجاز في طرابلس، حيث كان يرجو الوصول إلى وكالات الأمم المتحدة التي ربما تساعده.
تجربة عبدول تُجسّد الكفاح والآمال المنكسرة والتعذيب الذي يعيشه الكثير من المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا اليوم. فهم يجدون أنفسهم تحت رحمة مهرّبين بلا ضمير، وأسرى في سوق تستغل أبسط احتياجات الانسان في الحياة والكرامة ليقعوا ضحية للامبالاة أو العداء الصريح تجاه المحتاجين إلى الحماية والسلامة.
في يوليو/تموز 2018، زارت باحثتان من “هيومن رايتس ووتش” 4 مراكز احتجاز في طرابلس ومصراتة وزوارة، ووثقتا ظروفا لاإنسانية مثل الاكتظاظ الشديد، الظروف غير الصحية، نوعية الأكل والماء الرديئة التي تؤدي إلى سوء التغذية، غياب الرعاية الصحية اللازمة، وروايات مفزعة عن العنف الذي يمارسه الحراس، والذي يشمل الضرب والجلد والصعق بالكهرباء.
يواجه الأطفال المهاجرون نفس الأخطار التي يواجهها المحتجزون البالغون في ليبيا. شهدت هيومن رايتس ووتش أعدادا كبيرة من الأطفال، منهم أطفال حديثو الولادة، محتجزين في ظروف غير ملائمة على الإطلاق في مراكز احتجاز في عين زارة، تاجوراء، ومصراتة. يحتاج هؤلاء الأطفال والقائمون عليهم، بما يشمل الأمهات المرضعات، إلى التغذية اللازمة، والرعاية الصحية لكليهما غائبة أو ناقصة كثيرا. كما لا توجد أنشطة منتظمة للأطفال، مثل ساحات اللعب أو أي نوع من التعليم المدرسي. حوالي 20 بالمئة من الذين وصلوا أوروبا عبر البحر قادمين من ليبيا في الأشهر التسعة الأولى من 2018 كانوا أطفالا دون 18 سنة. الأطفال أيضا غير محميين من الانتهاكات، فقد وثقنا مزاعم اغتصاب وضرب لأطفال من قبل الحراس والمهربين.
بموجب أحكام القانون الدولي، احتجاز المهاجرين في ليبيا تعسفيا لكونه مطولا، وغير محدد بمدة زمنية، ولا يخضع لمراجعة قضائية.
كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي يدركون المحنة التي يواجهها المهاجرون المحتجزون في ليبيا. في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، قال مفوض الهجرة في الاتحاد الأوروبي، ديمتري أفراموبولوس: “نعي جميعا الظروف المروعة والمهينة التي يعيش فيها بعض المهاجرين في ليبيا”. وقد أكد هو ومسؤولون كبار آخرون في الاتحاد مرارا وتكرارا أن الاتحاد الأوروبي يريد تحسين الأوضاع، وهو اعتراف بالانتهاكات الجسيمة والواسعة. إلا أن مقابلات هيومن رايتس ووتش مع المحتجزين وموظفي مراكز الاحتجاز ومسؤولين ليبيين وعاملين في المجال الإنساني كشفت أن جهود الاتحاد الأوروبي لتحسين ظروف مراكز الاحتجاز والمعاملة داخلها لم يكن لها أي أثر يُذكر.
تعاون “الاتحاد الأوروبي” مع ليبيا في مجال الهجرة قد يُسهم في تغذية هذه الحلقة من الانتهاكات الجسيمة. يقدم الاتحاد الأوروبي الدعم إلى حرس السواحل الليبي ليعترض المهاجرين وطالبي اللجوء في عرض البحر ويقودهم إلى ليبيا حيث يُحتَجَزون تعسفا، وهناك يواجهون ظروفا لاإنسانية ومهينة وخطر التعذيب والعنف الجنسي والابتزاز والعمل القسري.
منذ 2016، كثف الاتحاد الأوروبي جهود منع انطلاق الزوارق من ليبيا. يبرّر صناع القرار وقادة الاتحاد هذا التركيز على أنه ضرورة سياسية وعملية لتعزيز السيطرة على الحدود الخارجية لأوروبا و”كسر نموذج عمل المهربين”، فضلا عن أنه ضرورة إنسانية لمنع هجرة القوارب المحفوفة بالمخاطر. في الواقع، هذا النهج القاضي بتصدير المشكلة ينتج عنه تجنب المسؤوليات القانونية التي تنشأ عن وصول المهاجرين وطالبي اللجوء إلى الاتحاد عبر الاستعانة بأطراف خارجية للسيطرة على الهجرة.
أنفقت مؤسسات الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء ملايين اليوروهات على برامج لتعزيز قدرات “حكومة الوفاق الوطني” التي مقرها طرابلس – وهي إحدى سلطتين متنازعتين في ليبيا، وسلطتها نابعة بشكل كبير من تحالفات غير مستقرة مع ميليشيات وليس من سيطرتها على المناطق – لاعتراض الزوارق المُبحرة من ليبيا واحتجاز الأشخاص المقبوض عليهم في مراكز يواجهون فيها ظروفا مُزرية. لعبت إيطاليا – وهي البلد العضو في الاتحاد الأوروبي الذي يقصده أغلب المُبحرين من ليبيا – دورا قياديا في تقديم المساعدات المادية والتقنية إلى حرس السواحل الليبي. تخلت إيطاليا عن جميع مسؤولياتها تقريبا في تنسيق عمليات الإنقاذ في عرض البحر في محاولة للحد من عدد الواصلين إلى سواحلها.
تسببت العوائق القانونية والبيروقراطية في عرقلة معظم عمليات الإنقاذ وسط البحر المتوسط. ورغم تراجع عمليات الإبحار في البحر التوسط منذ منتصف 2017، فإن إمكانية الموت في عرض البحر قبالة الساحل الليبي ارتفعت بشكل كبير من 1 عن كل 42 حالة في 2017 إلى 1 عن كل 18 حالة في 2018، بحسب مفوضية اللاجئين.
تسببت المواجهات التي شهدتها طرابلس بين جماعات مسلحة متنافسة في أغسطس/آب-سبتمبر/أيلول 2018، والتي دامت شهرا، في مشاكل ومخاطر إضافية على المهاجرين المحتجزين. أثناء هذه المواجهات – التي أثبتت هشاشة السلطة التي تمارسها حكومة الوفاق الوطني وتسببت في قتل مدنيين وتدمير ممتلكات مدنية – هرب الحراس من مركزَي احتجاز على الأقل عندما اقترب منهم القتال، وتركوا المحتجزين داخلها دون حماية. نقلت السلطات بعد ذلك مئات المحتجزين إلى مراكز احتجاز بالعاصمة، فزادت من اكتظاظها. كما عطل القتال مؤقتا المساعدات الإنسانية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لمراكز الاحتجاز وبرامج الأمم المتحدة لطالبي اللجوء المعرضين للخطر وإعادة المهاجرين إلى بلدانهم.
منذ نهاية 2017، كثفت مفوضية اللاجئين و”المنظمة الدولية للهجرة”، وهي أيضا من وكالات الأمم المتحدة، البرامج الممولة من الاتحاد الأوروبي لمساعدة طالبي اللجوء والمهاجرين على مغادرة ليبيا بأمان، وهي دولة لا يوجد بها قانون لجوء ولا نظام طلب لجوء. حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أجلت مفوضية اللاجئين 2,069 طالب لجوء من ليبيا إلى مركز عبور في نيامي بالنيجر للنظر في طلبات لجوئهم، ومن ثمة إعادة توطينهم في أوروبا أو بلدان أخرى. غير أن هذا البرنامج يعاني من محدودية قدرات المفوضية في ليبيا وسلطتها وكذلك من الفجوة بين عدد الأماكن المخصصة لإعادة التوطين التي عبّرت الدول المستضيفة عن استعدادها لتقديمها وعدد اللاجئين المحتاجين إليها. حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أجلت مفوضية اللاجئين أيضا 312 شخصا إضافيين مباشرة إلى إيطاليا، و95 إلى مركز للعبور الطارئ تابع للمفوضية في رومانيا.
ساعدت المنظمة الدولية للهجرة 30 ألف شخص على العودة من ليبيا إلى بلدانهم عبر “برنامجها الإنساني الطوعي” بين يناير/كانون الثاني 2017 ونوفمبر/تشرين الثاني 2018. رغم أن البرنامج كان قيما في مساعدة المحتاجين إلى الحماية والراغبين في العودة إلى بلدانهم بأمان، إلا أن توصيف الطوعي لا ينطبق عليه بما أن البدائل الأخرى المتاحة تنحصر في احتمال الاحتجاز التعسفي لفترة غير محددة في ليبيا أو خوض الرحلة الخطرة والمكلفة عبر المتوسط.
على الرغم من هذه البرامج، تسببت عمليات الاعتراض المتزايدة التي ينفذها حرس السواحل الليبي المدعوم من الاتحاد الأوروبي إلى ارتفاع عدد المهاجرين وطالبي اللجوء المحتجزين في ليبيا. في يوليو/تموز 2018، وقت إجراء بحوث التقرير، كان هناك ما بين 8 آلاف و10 آلاف شخص في مراكز احتجاز رسمية، بعد أن كان العدد 5,200 في أبريل/نيسان 2018.
المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة داخل مراكز الاحتجاز الليبية التي يتناولها هذا التقرير تنتهك القانون الدولي. تتحمل السلطات الليبية مسؤولية هذه الانتهاكات وعدم محاسبة الجناة. تدرك مؤسسات الاتحاد الأوروبي سوء المعاملة وظروف الاحتجاز اللاإنسانية في ليبيا التي يعانيها تم اعتراضهم. بالفعل، يقدم الاتحاد الأوروبي الدعم الذي يهدف إلى تحسين هذه الظروف في الاحتجاز. ومع ذلك، رغم أن هذا الدعم كان له تأثير ضئيل على الوضع، إلا أن الاتحاد لا يزال يتبع خطة معيبة لتعزيز قدرات حرس السواحل الليبي على اعتراض المهاجرين وطالبي اللجوء وإعادتهم إلى ليبيا. وحيثما أسهم الاتحاد الأوروبي وإيطاليا وحكومات أخرى بشكل ملموس في انتهاكات المعتقلين، فقد كانوا متواطئين في تلك الانتهاكات.
تعقيدات الهجرة الدولية وكثرة التحديات التي تواجهها ليبيا اليوم لا تبرر المعاملة الوحشية التي يلقاها المهاجرون وطالبو اللجوء واللاجئون في هذا البلد.