بقلم.. أمجد سالم
تمتــاز دولــة لـيـبـيـا بموقعهــا الجغرافــي المتمـــيز ، و بــ إطلالة ساحلية علي البحر الأبيض المتوســـط يصــل طولها 1800 كيلومتر ، و أيضــاً بـــ حدودها الشاسعة المترامية و المترابطة مع ؛ مصــر و الســـودان و تشــاد و النيجر و الجزائر و تونــس ، مما يجعــل منـــها الوجهة المفضــلة لــدي العـــديد مــن المهاجريـــن للعبـــور نــحو أوروبـــا …
و في خضـــم الأحـــداث المتتاليـــة و الوضــع الهش في الداخل الليبـــي و الصــراعات و الانقسامات الحاصلــة و تعدد الحكومـــات ، و انتشــار المليــشــيات و الجريــمــة المنظمـــة ، ومـــن خـــلال هذا التطور السريـــع المصاحــب لجريمـــة التهريب والإتجـــار بالبشـــر نجد أنه قـــد أصبـــح من الصعــب اليــوم تحديد الضالعــين فــي العـــديد من الجرائـــم والأحـــداث المريعــــة ، و من هذا المنطق لا يمكننا القــول بــأنهُ قــد حصــل تراجــع في هـــذه الجريمـــة ؟ و إنما هنــاك متــغيرات وتدابـــير جديـــدة حالت دون معرفــة الضـــالعـــين فــي انتهـــاكــات حقـــوق الـانســـان .
و فــي هــذا المــقــال ســ أحــاول تسليــط الضـــوء علي ما آلت إليه الأمـــور بـــ هــذا المـلف الشائــكــ … لذلك وجــب التنبيــه إلي العــديــد من الأطــراف الضالعة في هــذه المافيــا المـنـظمــة حتي نعلم كيف أصبــح الـاختبــاء خلــف هـــذه الــدهــاليز مخفيـــة فـــن من فنــون رؤوس المـــافيـــا .
لــ نبحر قليــلاً في هذه الدهاليز المخفية و مــا تــحويــه من خيــوط متشابكــة تعمل لصـالح جرائـــم التهريب و الاتجار بالبشر :
و لنبـــدأ حديثنـــا عن الــركن الأســاســي الحاج ( المهرب الرئيسي ) ، و هــو صاحب نفـــوذ بالمــدينــة يملك العديد من المعــاونــين و الخــدم ، و قــد نــلاحظ اليــوم بــأن الحاج قــد أصبح ذو وظيفة مقتصــرة على تجهـــيز القوارب بكل مــا تحتاجــه وتوفـــير فريــق الحمايــة على الشاطــئ وقت إبحـــار المركب فقــط ، و مــن هنــا يأتي دور مُعاوني الحاج ( المهرب الرئيسي ) فــي اطلـاق نــداء عـــام ، بأن هناك قارب يتــم تجــهيزهُ للإبـــحار ، و يحدث هــذا النـــداء في الأغلب علي شواطـــئ المدينـــة حيثُ هنـــاك يجتمع المندوبـــين للسهر واللهو و تقصـــي الأخبــار . و بعــد انتشـــار الخــبر يبـــدأ كل منــدوب بحجـــز مكــان في هذا الــقارب للمهاجريـــن خــاصتــه و يصبــح المنــدوب علي تواصــل مع هـــذا المعـــاون ، و يبـــدأ الجميـــع علي أهبة الاستعداد للانطلاق فــي أي وقــت ، و مــن مهـــام المُـــعاون استلام المـــال من المندوب و ( المتمثل في ثمن الرحلة عن كل مهاجر ) ليقوم المُعــاون بــ إصالة إلي الحاج ،
لـا أحـــد يعــلــم بوقـــت ركــوب البـــحر فهـــذا أمـــر يخــص الحاج ( المهرب الرئيسي ) و حــين يتقرر وقت الـابحــار يصــل الخـــبر عن طريق المــعاون إلي المنــدوب قُبيل ساعاتٍ قليلـــة ، ، و من المهـــم معرفــة أن المندوب هـــو أيضـــاً لا يعلـــمُ بوقت إبحار القــارب …
ينطلق الجمــيع بــ أقصــي سرعـــة حتي لا تضيــع عليهم الرحلة و النقــود معـــاً . وهــكذا يكـــون الحاج قــد انهـــي التزامهُ مع المنـــدوبـــين ..
لننتقل ناحيــة المندوب وما أدراك ما المنـــدوب ؛
هــي سلسلة طويلة ليس من الصعب تعقبهـــا ، فــ دائــرة التهريب لا تعتمد علي مندوب واحد فقط ، بل هنــاك سلسلة من المندوبين متشابكة ببعضهــا البعـــض وتُعــتــبر هـــي الدائـــرة الوحـــيدة التي على تواصــل مبـــاشر فيمــا بينهـــم .. ســ نبحث في هـــذه السلسلة عن خيــط يوصلنا لفهم هذه الدائرة المغلقة ،،، و لنقم بتصنيفهم أولـــاً علي النحو التالي ( المندوب الرئــيســي و المندوب المناطقــي )
المندوب الرئــيســي ؛ هو شخص يملك العديـــد من الوصـــلات الداخليــة والخـــارجيـــة و له القدرة علي تجميــع المهاجرين داخل مكان واحد جاهزين للتهريب بــ القرب من أمــاكن التهريب نــحو أوروبــا ، و يمتلك المندوب الرئــيســي عدد من المندوبين الأجانب والمتمثلة جنسياتهم كما يلي : مندوب باكستاني و مندوب مصري و مندوب سوري و مندوب بنقلاديشي ، تُعــتبر هــذه الجنسيــات التــي تعمل بــ المندوب و باقــي الجنسيات نجدها تدخل تحت عباءة المندوب السوري أو المندوب المصري ، و كل هــؤلاء المناديب السالف ذكرهــم لــديهــم منــاديب من بُلــدانهم وظيفتهم تسهيل الرحلات إلي ليبيا واستلام المال هناك في بلدانهم حتي في حالات الخطف و الاحتجاز التعسفي وطلب الفدية . وهـــذا بابٌ آخـــر ســ يكــون لنــا فيــه حديث قـــادم .
و أمــا عن المنــدوب المنــاطقــي لــدية العــديد من المنـــدوبــين الـأجانب و يـكون حلقــة الواصــل بــين المــندوب المنــاطقــي والمــندوب الرئيــسي عن طريــق المندوب الأجنبي ، ومن المــهم معــرفــة بــ أن جُل منــاديب المنــاطق هــم من أبنــاء القبـــائــل التــي تقطــن بــ المنــاطق الحدوديــة كــما هو حال مـع النــاقل الحدودي .
لننتقــل الأن إلي الناقـــل ( الداخلي و الخارجي )
لنقم بــ تعريف هــذا الناقل وهو السائق الذي يقوم بنقل المهاجرين من نقطة ألف إلي نقطة باء ، يمتلكـ هــذا الشخــص بعض الصفــات المؤهلة لهــذه العمليــة والمتمثــلة في مشاركته في العديـــد من عمليات القتـــال و ربمــا الـانتســاب إلي العــديد من الكتائب المسلحة وربمــا يكــون ذات صيت ولديه تاريخ في الــإجرام ممــا مكنــهُ من خلــق دائرة معارف كبـــيرة أو أنه يعمل في أجهزة الدولــة و يملك نفوذ داخل الحدود الإدارية التي يقـــوم بالنقــل بداخلــها ، مما يسمح لهُ بالحركــة في ارتياح و دون خــوف و يكــون شخــص مضــمون لـدي المنــدوب لإيصال المهاجرين ،
و نجد أن هناك تفصيــلات عديــدة لهـــذا الناقل فــ هنــاك ناقــل عــبر الحــدود والــذي دائمــاً ما يكــون من أبنـــاء القبــائل الـتي تقطن فــي المناطــق الحدودية بــين الدول وتكون تجــارة التهريب هــي أعمالهــم المتوارثة من جيل إلى جيل ، و الرابـــط بـــين الناقل الحدودي والداخــلي هــو المنــدوب المناطـــقي والـــذي بـــدوره يقـــوم بتسليـــم المهـــاجر إلي الناقل الداخلــي و الــذي يعمــل بـــ حسب منطقــة إدارية معينــة لــهُ فيهــا نفــوذ تمكنــهُ من الحركــة بكل أريحية وأمـــان ، و بهــذه الطريقــة نجد المهاجرين قد مرو ربمــا علي خمسة مناديب و خمسة ناقلـــين مما يجعلهُ لا يستطيع تذكر أحـــدٍ بعينه و يكون فيها مــصيرهُ مجهول ، وخلال هذه الرحلة غالباً ما يتـــم ُ البيـــع والتعــذيب وطلب الفــدية ، ويعتمد هــذا على مــدى الـاتفــاق الحاصل بــين المناديب ..
الـمالك ( صاحب مكان إقــامــة المهاجر ) هـــم أشخاص يملكـــون أماكن هـــي أشبــه بزرائب البهائـــم ، كانت تستغلُ فيما سبـــق لهـــذا العمـــل ، أو ربمـــا يملكـــون بيوت لم يستطيعـــوا إكمالهـــا وأصبحت مجرد هياكل من البناء بسبب نقص في الموارد وشح النقـــود ، أو مباني متهالكة كانت تستخـــدم في ما سبق للتخزين لصالح الدولة ثم هُجرت لعدم صلاحيتيها ، المستفـــيد من هـــؤلاء الملاك المناديب عــن طريق الناقل ، دون أن يكون هنــاك تواصل مع الحاج المهرب الرئيسي ، فــ المنـــدوب هــو من يعمل إلى الآن ، و الكيفية هي بأن يقوم المندوب بــ الاتفاق مع المالك علي إيـــواء عـــدد من المهاجريـــن وبقيمـــة مـــاليـــة يومـــية علي المهاجـــر وله حريــة التصـــرف, المهــم أن يستلم المهاجرين منه أحيـــاء ، و بعــد أن يتـــم الاتفاق و يستلم ذاك الشخص المهمة ، تكون من ضمن المهام الموكلة لهُ هــي حمايتهم والحفاظ عليهم وعـــدم تركهـــم يهربـــون ، و في حال أضطر المندوب الي التخلص من هؤلاء المهاجرين هنــا يكون علي عاتق صاحب المكان مهمــة الإبلاغ عن هـــؤلاء المهاجريـــن حتي يتم القبض عليهم … فـــ لا مسؤولية قانونيـــة علي مالك العقــار ، فـــ مالك العقار لديــه بعض النفوذ في الحدود الإدارية التي يُقــيم بهــا وهنــا يتحتم عليه ابرام اتفاق مع بعض أفــراد الأجهزة الأمنيـــة لأجل عملية القبض ويكون نصيب هؤلاء الأفـــراد هو كل ما ســ يجدونهُ مع المهاجرين ، ولذلك نجد المقبض عليهـــم بعد نقلهم إلي مراكز الاحتجاز لا يـملكــون من المــال أو الهواتف المحمولة أي شيء فــ لحظة مــداهمــة المكــان تكــون لحظة اعتقال وسرقة مقتنيات و يُدون في المحضر عبارة ( إحدى أوكار تهريب البشـــر ) دون ولوج مالك العقــار في العمليــة . ومـــن الواجب معرفتهُ بــأن مالك العقار هــو المسؤول عن مصــير العديد من المهاجرين بحسب المهام الموكلة إليه ، و التي تتمثل في إعاشة ومبيت المهاجرين طيلة فــترة بقائهم لديه ، وبدوره يقوم بــــ إعطاء المهاجريـــن القليل من المـــاء و الأكل تصـــل إلي حـــد العـــدم وبــدل من أن يصرف علي المهاجر 2 $ للأكل يوميـــاً كما تم الاتفاق مع المنــدوب يقـــوم مالكُ المكـــان علي سبيل الذكر بصرف ما مقدارهُ 10 سنت فقط ويحتسب البــاقي في جيبيه، و في بعــض الأحيــان يقــوم بتجويعهــم حتي يقــوموا بالــصرف على أنفســهم من نقودهــم الخــاصة و في حال كان المهاجرين لا يملكون المال هنـــا تحدث كارثة التجويع و الأمراض بــين المهاجريــــن ، و فــي حال لم يــدفع المنـــدوب قيمــة الإقــامة لمالك العـقار ســ يقوم مالك العقار بعملية تعذيب المهاجــرين حتـى يرغم المندوب علي دفع القيمـــة ، ويظل المهاجر دائماً هــو الحلقة الأضعف بين الجميـــع . و من مهام مالك العقار أيضاً أن يقوم بالضرب والسب والشتم وإظهار السلاح حتي يخاف الجميـــع ولا يتم التفكـــير بالهروب …. يتبـــــع
تجارة البشر والتهريب أصبحت تجارة رائدة في سوق العمل الليبــي